Tuesday, May 26, 2009

أمة "إقرأ" و المكتبة الوقفية

منذ زمنٍ بعيدٍ، قال العالم و العابد العربىّ الكبير "سعيد بن المبارك بن على بن عبد الله الإمام ناصح الدين" - كما وردت تسميته فى كتاب السيوطى "بغية الوعاة فى طبقات اللغويين و النحاة" - أقول قال العالم والعابد الكبير "بن المبارك":
لا تحسبنْ أنْ بالكُـ *** ـتبِ مثلنا ستصيرُ
فللدجاجة ريشٌ *** لكنَّها لا تطيرُ
نعم، ولكنَّ من عزم أمَّتنا - فى عصرها المجيد - أنها كانت تأخذ بالأسباب و تتوكل على المُسبِّب ربِّ الأسباب.

وإنَّ من أسباب تحصيل العلم - كما قال "الشافعى" فى ديوانه - ما يلى:
أخى، لن تنال العلم إلا بستةٍ *** سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٍ و حرصٍ و اجتهادٍ و بلغةٍ *** و صحبة أستاذٍ و طول زمانِ
أو هى (منسوبةً إلى إمام الحرمين - كما سمعنا من الشيخ الجليل "أبى إسحاق الحوينىِّ"):
ذكاءٍ و حرصٍ و افتقارٍ وغربةٍ *** و تلقين أستاذٍ و طول زمانِ

و على كلٍّ، فلتعذُّر وجود "الأستاذ" فى هذا الزمان، نجد الكتاب و قد ارتقت منزلته عند اللبيب الفَطِن فصار من أهم وسائل تحصيل العلم . و عن قيمة المعلم "الأستاذ" و قيمة "الكتاب"، أقول أنا متلعثمًا:
لو لم توقِّر مَن يعلِّمك، انتبهْ *** إنَّ المعلِّم سيِّد العلماءِ
لولاه ما خطَّ العباقرة اسمهم *** و لما استبانوا (بائهم) من (ياءِ)
أمَّا الكتاب، فذا رسول العِلْم؛ ما *** هان (الرَّسول) سوى على الجهلاءِ

لذا فإنِّى أسعد بأن أدلَّكم على رابط "المكتبة الوقفية" العظيمة، و جزى الله القائمين عليها خير الجزاء. و هاكم الرابط الذى لا يحتاج إلى تعريفٍ لكلّ من يدرك عِظَم "المكتبة الوقفية" العملاقة:
و أنا أرجو كلّ مَن يقرأ هذه الرسالة أن يبعث بها إلى كلّ مَن يعرفه - فردًا كان أو مجموعةً بريديةً أو منتدى - إلى كلّ من تعرف لعلها تُتَداول و ينتفع بها أخوانُنا فيَكتُب لنا اللهُ - سبحانه - بها الأجر أحياءً و أمواتًا.
و من الأجدر بنا - نحن المتعلمين - أن نحذوَ حَذْوَ أسلافِنا العلماء المجدين و أن نقتفىَ أثرَهم وإن لم نكن بالغِى مكانتهم لسبقهم إيَّانا فى كلِّ علمٍ و فنٍّ. لنكنْ الآن - كما كان أسلافُنا - أمةَ العلمِ .. أمةَ "إقرأ" و لنحققْ مقولَ قولِ من أدرك حكمةَ القدوةِ و الاتباعِ فقال:
فتشبَّهوا إنْ لم تكونوا مثلهم *** إنَّ التَّشَبُّه بالرِّجال فلاحُ
و إذا حاول الشيطان أن يثبِّط من عزائمنا، فلنأخذ العِبْرَة من قول الشاعر الجاهلى "عنترة بن شداد" (المُتوَفَّى سنة 600 م - كما ذكر أحمد بن أمين الشنقيطى فى كتابه "المعلقات العشر و أخبار قائليها") حين شرع فى كتابة معلقته بعد أن سبقه من سبقه من فحول الشعر العربى الجاهلى و على رأسهم جميعًا "امرؤ القيس". فلقد أتى فيها بالجديد المُتحِف و هو الذى قال إجلالاً لمن سبقه و عرفانًا بصنيعهم و اعترافًا بعِظَم الأمرِ عليه و اعتذارًا مسبقًا لما قد يقع فيه من خطل، قال - و هو من هو - فى مطلع معلقته المشهورة:
هل غادر الشعراء من مُتَردَّمِ *** أم هل عرفتَ الدار بعد توهُّمِ
برغم كل مَن سبقه و ما سبقوه به و برغم اعترافه بذلك (فى الشطر الأول من البيت السابق)، فقد أتى "عنترة" بالجديد لذا لم يَنْسَه التاريخ و لم ينْسَه العالم. و صدق القائلُ:
الناس فى صورة التشبيه أكْفاءُ *** أبوهمُ (آدم) و الأمُّ (حوَّاءُ)
فإن يكن لهم فى أصلِها شرفٌ *** يُفَاخرون به فالطِّينُ و الماءُ
ما الفضلُ إلا لأهلِ العلمِ؛ إنَّهمُ *** على الهُدى لمن اهتدى أدلاءُ
و وَزْنُ كلِّ امرئٍ ما كان يحسنُه *** و الجاهلون لأهلِ العلمِ أعداءُ
إن مسألة سبق أسلافنا الأفاضل بالنسبة لنا إنما هى مسألة مسئولية تقوم على العمل و الالتزام و هى مسألة قدوة تقوم على العرفان و الاتباع؛ فإذا اضطلعنا بحمل همِّ المسئولية قولاً و عملاً، فعلينا أن نسير على الدرب اعترافًا بالفَضْل و استمراريةً للسَّبْق الذى هو منوطٌ بأمتنا "خير أمةٍ أُخرجَت للناس". و لاشكَّ أنَّ اللهَ - عزَّ و جلَّ - سيكتب للدِّين أن يتجدَّدَ قَشِيبُه على أيدى المُجِدِّين مِنَّا.

اللهم ارزقنا العلم
و هيئ لنا سُبُله

و يسِّر لنا أسبابه
و أعنَّا على الأخذ بها
بجدٍّ و همةٍ
اللهم ارزقنا حُبَّه
و حُبَّ السعى فى طلبه
من غير كَلَلٍ و لا مَلَلٍ
اللهم وفِّقنا إلى العمل به
على الوجه الذى يرضيك عنَّا
من غير تَبَاهٍ و لا تَعَالٍ
و لا رياءٍ أو شركٍ

اللهم اجعل ثمرة علمنا العمل
و علامة زيادتهما التواضع
و آية عرفاننا بفضلك العبودية و الشكر

اللهم آمين
اللهم آمين

No comments: